حكمة وهول ساعات المسيح الاخيرة


أصعـب شيء عـلى الشخص أن يعـلم موعِـدَ موتـِهِ , لذا قال الكتاب " فأخذ المسيح يكتـئِـب وإذ كان في صراعِِ , أَخـذَ يُصلي بأشَـدِ إلحاح , حتى إَنَّ عَـرَقَـهُ صارَ كقطـراتِ دمِِ نازِلَـةِِ عـلى الارضِ" . نزاع الاستسلام لمصير الموت والخوف والهلع من الموت أمرُُ فضيعُُ جـداََ وكأنَّ الانسان ينتظـر حكم تنفيذ الاعـدام فيـهِ , فيا للهول فحتى عرقُ الانسان يصبحُ أحـمراََ كالدم , لأَنَّـهُ يختلط بالدم فعـلاََ.

يسوع صرح للجمع الآتي للقبضِ عـليهِ "بأنَّـهُ هو يسوع الناصري " وهنا في لحظةِ التصريح عـلى الذات إِرتَـدَ الجمـع وسَـقطوا عـلى الارض, فلا يمكن للإِنسان أن يقف أمام الخالق منتصباََ بسببِ الخطيئـة التي فيهِ. وكان لابد من هذِهِ السقطة , لكي يعـلم العـالم أجمع " بِـأَنَّ المسيح اسلم نفسَـهُ طوعـاََ " وإِلا لم ولن يكـن الـفداءِ مقبـولاََ , وقد قال المسيح أيضـاََ " بـأَنَّـهُ كان بإِمكانِـهِ طلب جيوش من الملائِـكـة لتُـدافع عـنـهُ " ولكنَّـهُ لم يفـعَـل, فلابُـدّ لـهُ أنْ يُـكمِـلَ الفـداء , فهو لهـذا جاءَ إلى الارض ولهـذا وافق أَن يـأخُـذَ جسَـداََ بشَـريـاََ مثلَـنـا.

كما أنبـأَ المسيح بطرس بـأَنَّـهُ سينكر المسيح ثلاثة مرات قبل أن يصيح الديكُ صياح الفجر , هكذا تمَّ , أولاََ لأنَّ المسيح كانَ عـلى عـلم مُسْـبَـق بكل ما سيجري وكانَ موافِـقَـاََ عـليهِ , وثانيـاََ لانَّ بطرس لم يكن إلا كأي واحـد منـا, فنحنُ البشر نتنكر للمسيح حال وقوعـنـا بأي ضيقـةَ , فكم منا قـد نكرَ المسيح بطريقَـةِِ أو أُخـرى , وكم من مرة تركناهُ لمصير الصليب ونحن سـبب صلبِـهِ وعّـذابِـهِ , وكم مرة نكرناهُ وتركناهُ ولم نفكر مرة أن نشكرهُ لأجـلِ الفـداء الذي يتحملهُ كل مرة نخطأ بهـا ُ , لا بل وزرَ خطايانا حملناهُ.

تحمل المسيح الاهانة والجلد والبصق والنكران والإساءة ولم يفتح فاهُ , لم يكن لهُ أن يغضب عـلى صاليبيهِ ظُلمـاََ فلو فعـل لن ينفع أنْ يكونُ فاديـاََ , إِذ وجبَ أن يبقى بـدون خطيئـة حتى يلفظَ أنفاسـهُ ليكون فـدائـهُ مقبـولاََ. وبـدل تاجِ المُـلْـكِ تـاجـاََ من شَـوكِِ كللناهُ, ومع ذلـك لم يفتحَ فـاهُ.

مملكة المسيح ليست مملكة ارضية بل هي مملكة أبديـة سماويـة لن تفنى أو تزول , لانهـا مملكة الله الذي هو الكل بـالكـل, خالقِ الكـل. وهو لم يـأتي ليتنافَـسَ مع بشر بل لـيُـخلصَ البشـر, ومع ذلك ما رحمناهُ.

تقاسم الجنود ملابس يسوع وامـا قميصَـهُ فـإقترعـوا عليـهِ لأَنَّـهُ كانَ منسوجاََ, وكان هذا بحد ذاتِـهِ إتمـامـاََ لنبوءة المزمور الثاني والعشرين الفقرة الثامنة عشر.

طلب يسوع من يوحنا أن يجعل العـذراء أُمـاََ لَـهُ , واليوم كم من البشر يتلصص الطرق لـيُهين العـذراء وينتقص من مكانتهـا كـأُم المسيح عمانوئيـل الاله المتجسد وراحوا يقولون إِنَّ العـذراء لم تكن أم المسيح إلا بالجسـد لا لشيْ إلا للإنتقاص من مكانتهـا ومحاولةََ للنيل من كرامتهـا التي وهبهـا إياهـا الله ذاتـه. فهـل فكروا " أينَ كانت روح الخالق عـندما كان جسـدهُ في داخلِ أحشائِـهـا؟ " فكم منـا جعـل الـعـذراء أُمـاََ لـهُ واخَـذهـا إلى بيـتِـهِ أيضـاََ, وصار إبـنـاََ لهـا كما طلب الرب من يوحنـا أن يكون.

لم ينادي المسيح العـذراء بلقب " أُمي " بـل " يـا إمرأة" لكي يُـبيـن للعالم بـأنَ نسل المرأة هو الـذي أكمـل الفـداء , وهو الذي سحقَ رأسَ إبليس. ألم يكن هـذا وعـد ألله لآدم وحـواء.

  ولكي تكتمـل النبوءة قال يسوع " أنا عطشان واسقوهُ خلاََ " فقد اكمل كل النبوآت المتعلقـة بالمسيح الرب المخلص لكي لا يبقى شـك من إن يسوع المسيح المصلوب هو نسل المرأة الآتي لفـداءِ وخلاصِ البشـر من خطاياهـم , وقبل أن يسـلم الروح قال "قـد إِكـتَـمـلَ كل شيء , نعم قـد أكمـل فـداء البشـر بالرغم من كـل الالام والاوجاع والاهانة والشتيمة وبقيَ لآخِـر لحظـةِِ من حيـاتِـهِ من دون خطيئـة من فعـلِـهِ هو ذائـه , وأَكـمَـل فـداء البشـريـة عـلى الصـليـب ظـافـراََ ومنتصـراََ وأنـقـذَ البشـريـة من عـبوديـة الخطيئـة وإبـلـيس , وتمـجّـدَ الآب في المسيح عـلى الصليـب.

واليكن سلام المسيح فيكم وعليكم أجمعيـن , أميـن.

13 / 04 / 2006 



"إرجع إلى ألمجلـة"